فصل: (فَصْلٌ): (ما يُشترط في عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.[الْمُزَارَعَةُ]:

(وَالْمُزَارَعَةُ دَفْعُ أَرْضٍ وَحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُهُ) وَيَقُومُ عَلَيْهِ، (أَوْ دَفْعُ حَبٍّ مَزْرُوعٍ يُنَمَّى) بِالْعَمَلِ (لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ) الْمَدْفُوعُ لَهُ (بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمُتَحَصِّلِ)، وَتُسَمَّى مُخَابَرَةً مِنْ الْخَبَارِ- بِفَتْحِ الْخَاءِ- وَهِيَ الْأَرْضُ اللَّيِّنَةُ وَمُوَاكَرَةً أَيْضًا، وَالْعَامِلُ فِيهَا خَبِيرٌ وَأَكَّارٌ وَمُوَاكِرٌ، وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِهَا السُّنَّةُ. فَمِنْهَا مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ: «عَامَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَرْطِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ. ثَمَانُونَ وَسْقًا تَمْرًا وَعِشْرُونَ وَسْقًا شَعِيرًا»، فَقَسَّمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخُيِّرَتْ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ الْأَوْسُقَ، فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الْأَرْضَ. وَالْمَعْنَى دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ أَصْحَابَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى زَرْعِهَا وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا، وَالْأَكْثَرُ يَحْتَاجُونَ إلَى الزَّرْعِ وَالْأَرْضِ لَهُمْ، فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ جَوَازُ الْمُزَارَعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ، بَلْ الْحَاجَةُ هُنَا آكَدُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الزَّرْعِ آكَدُ مِنْهَا إلَى غَيْرِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا، وَلِكَوْنِ الْأَرْضِ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْمَالِ. (وَلَا تَصِحُّ مُسَاقَاةٌ) عَلَى (مَا)- أَيْ: شَجَرٍ- (لَا ثَمَرَ لَهُ يُؤْكَلُ كَصَفْصَافٍ وَقَرَظٍ)- وَهُوَ وَرَقُ السَّلَمِ يُدْبَغُ بِهِ- وَدُلْبٍ وَحَوَرٍ وَسَرْوٍ- (وَلَوْ) كَانَ لَهُ خَشَبٌ يُقْصَدُ أَوْ- (كَانَ لَهُ وَرَقٌ أَوْ زَهْرٌ يُقْصَدُ كَتُوتٍ وَوَرْدٍ) وَنَرْجِسِ وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، (خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ) وَالشَّارِحِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا يُقْصَدُ وَرَقُهُ أَوْ زَهْرُهُ إجْرَاءً لِلْوَرَقِ وَالزَّهْرِ مَجْرَى الثَّمَرَةِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ عَلَى مَا يَتَكَرَّرُ حَمْلُهُ مِنْ أُصُولِ الْبُقُولِ وَالْخَضْرَاوَاتِ مِنْ (نَحْوِ قُطْنٍ) يُؤْخَذُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا عَلَى الْمَقَاثِي مِنْ نَحْوِ بِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ (وَبَاذِنْجَانٍ) وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَجَرٍ. وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ عَلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ. (وَلَا) يَصِحُّ (كَوْنُ غَرْسٍ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضِ لِآخَرَ)؛ لِاشْتِرَاكِ كَوْنِهِمَا مِنْ وَاحِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، (فَإِنْ وَقَعَ) الْغَرْسُ مِنْ الْعَامِلِ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ، وَ(خُيِّرَ رَبُّهَا)- أَيْ: الْأَرْضِ-، (بَيْنَ قَلْعِهِ)- أَيْ: تَكْلِيفِ رَبِّ الْغِرَاسِ قَلْعَهُ- (وَضَمَانِ نَقْصِهِ) لَهُ (أَوْ تَمَلُّكِهِ) بِقِيمَتِهِ لِغَارِسِهِ، إلَّا أَنْ يَخْتَارَ رَبُّهُ أَخْذَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ أَخْذَهُ فَلَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ بَذَلَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ الْقِيمَةَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ تَحْوِيلَهُ، (أَوْ تَرْكَهُ بِأُجْرَتِهِ) بِاتِّفَاقِهِمَا. (وَشُرِطَ) لِصِحَّةِ مُسَاقَاةٍ وَمُنَاصَبَةٍ وَمُزَارَعَةٍ (كَوْنُ عَاقِدِ كُلٍّ) مِنْهَا (نَافِذَ التَّصَرُّفِ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا بَالِغًا رَشِيدًا؛ لِأَنَّهَا عُقُودُ مُعَاوَضَةٍ، فَاعْتُبِرَ لَهَا ذَلِكَ كَالْبَيْعِ. (وَتَصِحُّ) مُسَاقَاةٌ (بِلَفْظِهَا) كَسَاقَيْتُكَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُهَا الْمَوْضُوعُ لَهَا، (وَ) تَصِحُّ (بِلَفْظِ مُعَامَلَةٍ وَمُفَالَحَةٍ، وَ) بِلَفْظِ (اعْمَلْ بِبُسْتَانِي هَذَا) حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا (وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ الْعَقْدُ، فَإِذَا دَلَّ عَلَيْهِ أَيُّ لَفْظٍ كَانَ؛ صَحَّ كَالْبَيْعِ. وَ(تَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ (بِمُعَاطَاةٍ)، وَقَبُولُهَا كَذَلِكَ يَصِحُّ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَبِالْمُعَاطَاةِ، وَالشُّرُوعُ مِنْ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ قَبُولُهُ. (وَتَصِحُّ) الْمُسَاقَاةُ بِلَفْظِ إجَارَةٍ (مَعَ مُزَارَعَةٍ)؛ أَيْ: وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا (بِلَفْظِ إجَارَةٍ) كَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ عَلَى هَذَا الْبُسْتَانِ حَتَّى تَكْمُلَ ثَمَرَتُهُ بِثُلُثِهَا، أَوْ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَزْرَعَ هَذَا الْحَبَّ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، وَتَعْمَلَ عَلَيْهِ حَتَّى يَتِمَّ بِالرُّبْعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُؤَدٍّ لِلْمَعْنَى. (وَتَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ) مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ وَعَرُوضٍ مَعْلُومَةٍ، (وَبِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ) كَالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ (مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ نَحْوِ بُرٍّ أَوْ) غَيْرِهِ (كَقُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ)، وَهُوَ إجَارَةٌ حَقِيقِيَّةٌ؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِنَقْدٍ، فَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الْإِجَارَةِ، فَكَمَا تَصِحُّ بِالدَّرَاهِمِ تَصِحُّ بِالْخَارِجِ مِنْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ (مِنْ نَحْوِ شَجَرٍ)؛ لِطُولِ مُكْثِهِ فِي الْأَرْضِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ رَبُّ الْأَرْضِ تَفْرِيغَهَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَعَ وُجُودِ الشَّجَرِ قَائِمًا نَامِيًا، بِخِلَافِ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ؛ فَإِنَّهُ يَزُولُ بِنَبْتِهِ، وَتَتَفَرَّغُ الْأَرْضُ لِمَالِكِهَا وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (فَإِنْ لَمْ تُزْرَعْ) الْأَرْضُ، أَوْ زُرِعَتْ فَلَمْ تَنْبُتْ، أَوْ نَبَتَتْ ثُمَّ تَلِفَ، وَلَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْهُ حَبٌّ، سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا مُزَارَعَةٌ أَوْ إجَارَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ (نُظِرَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (إلَى مُعَدَّلِ الْمُغَلِّ)- مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ- إلَى الْمُغَلِّ الْمُعَدَّلِ- (أَيْ: الْمُوَازِي لِمَا يَخْرُجُ) مِنْهَا (لَوْ زُرِعَتْ- فَيَجِبُ الْقِسْطُ الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ فَسَدَتْ فَأَجْرُ الْمِثْلِ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةٌ أَرْضٍ (بِطَعَامٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ) مِنْهَا (أَوْ غَيْرِهِ)- أَيْ: غَيْرِ جِنْسِهِ- كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا سَنَةً لِزَرْعِ بُرٍّ بِقَفِيزِ بُرٍّ، وَلَمْ يَقُلْ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ بِقَفِيزِ شَعِيرٍ وَنَحْوِهَا؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ. (وَلَوْ عَمِلَا)- أَيْ: الشَّرِيكَانِ- (فِي شَجَرٍ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَشَرَطَا التَّفَاضُلَ فِي ثَمَرِهِ) بِأَنْ قَالَا: إنَّ لَكَ الثُّلُثَ، وَلِي الثُّلُثَانِ؛ (صَحَّ)؛ لِأَنَّ مِنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثَانِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ مِمَّنْ شُرِطَ لَهُ الثُّلُثُ وَأُعْرَفَ بِهِ مِنْهُ، (بِخِلَافِ مُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِنِصْفِهِ)- أَيْ: الثَّمَرِ- أَوْ ثُلُثِهِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْمُسَاقَاةَ هُنَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ الْمَشْرُوطَ لَهُ النِّصْفُ يَسْتَحِقُّهُ بِمِلْكِهِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ شَيْئًا، وَإِنْ شُرِطَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصْفِ؛ فَقَدْ جَعَلَ لِغَيْرِ الْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ، وَيَعْمَلُهُ بِلَا عِوَضٍ؛ فَلَا يَصِحُّ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَامِلُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ كَانَ الثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ؛ لِتَبَرُّعِهِ بِهِ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَبِخِلَافِ مُسَاقَاةِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ (بِكُلِّهِ)؛ أَيْ: الثَّمَرِ؛ فَلَا يَصِحُّ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ. (أَوْ لَهُ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (أُجْرَتُهُ)- أَيْ: أُجْرَةُ مِثْلِهِ- (فِي) شَرْطِ (كُلِّهِ)- أَيْ: الثَّمَرِ- لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَقْتَضِي عِوَضًا، وَلَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْعِوَضُ، فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. (وَمَنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ) فِي أَرْضٍ شَائِعَةٍ بَيْنَهُمَا (فِي نَصِيبِهِ) مِنْهَا (بِفَضْلٍ)- أَيْ: جُزْءٍ زَائِدٍ- (عَنْ حِصَّتِهِ) مِنْ الْأَرْضِ بِأَنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَأَخْرَجَا الْبَذْرَ نِصْفَيْنِ، وَجَعَلَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا مِنْهَا الثُّلُثَيْنِ؛ (صَحَّ) وَالسُّدُسُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ، كَأَنَّ شَرِيكَهُ قَالَ: زَارَعْتُكَ عَلَى نِصْفَيْنِ بِثُلُثِهِ؛ فَيَجُوزُ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ (كَمُسَاقَاةٍ)؛ أَيْ: كَمَا يَصِحُّ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ. (وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ مُسَاقَاةٍ)؛ كَوَكَالَةٍ وَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّتِهَا، (فَلَا أَثَرَ لَهُ)- أَيْ: التَّوْقِيتِ- (إذْ لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبُ مُدَّةٍ يَحْصُلُ الْكَمَالُ)- أَيْ: كَمَالِ الثَّمَرَةِ- (فِيهَا)- أَيْ: الْمُدَّةِ- لَكِنْ لَوْ ضَرَبَ مُدَّةً قَدْ تَكْمُلُ؛ فَيَصِحُّ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْقَاؤُهُ وَفَسْخُهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّوْقِيتِ؛ كَالْمُضَارَبَةِ، (وَيَمْلِكُ عَامِلٌ حِصَّتَهُ) مِنْ الثَّمَرَةِ بِمُجَرَّدِ (الظُّهُورِ)؛ كَالْمَالِكِ وَكَالْمُضَارِبِ. (وَلِكُلٍّ فَسْخُهَا)- أَيْ: الْمُسَاقَاةِ- (مَتَى شَاءَ)؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ كَالْوَكَالَةِ، وَيَصِحُّ تَوْقِيتُ الْمُسَاقَاةِ إلَى جِذَاذٍ وَإِلَى إدْرَاكِ مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ، لَا إلَى مُدَّةٍ لَا تَحْتَمِلُهُ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا إذَنْ.
(فَائِدَةٌ):
: لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَفَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّرْعِ، أَوْ قَبْلَ الْبَذْرِ وَبَعْدَ الْحَرْثِ، فَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ بَيْعِ الْعِمَارَةِ الَّتِي هِيَ الْإِثَارَةُ، وَيَكُونُ شَرِيكًا فِي الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ، وَأَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ زَارَعَ رَجُلًا عَلَى مُزَارَعَةِ بُسْتَانِهِ، ثُمَّ أَجَّرَهَا هَلْ تَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ؟ فَقَالَ: إنْ زَارَعَهُ مُزَارَعَةً لَازِمَةً؛ لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِجَارَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَازِمَةً أُعْطِيَ الْفَلَاحُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ؛ أَيْ: وَبَطَلَتْ مُزَارَعَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ، لَا لَازِمٌ، وَأَفْتَى أَيْضًا فِي رَجُلٍ زَرَعَ أَرْضًا، وَكَانَتْ بُورًا، وَحَرَثَهَا فَهَلْ لَهُ إذَا خَرَجَ مِنْهَا فِلَاحَةٌ؟ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ فِلَاحَةٌ لَمْ يَنْتَفِعَ بِهَا، فَلَهُ قِيمَتُهَا عَلَى مَنْ انْتَفَعَ بِهَا، فَإِنْ الْمَالِكُ انْتَفَعَ بِهَا أَخَذَ عِوَضًا عَنْهَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَضَمَانُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ الْأُجْرَةَ عَنْ الْأَرْضِ وَحْدَهَا؛ فَضَمَانُ الْفِلَاحَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا.
قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مَفْلُوحَةً، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا مَفْلُوحَةً كَمَا أَخَذَهَا: أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ كَمَا شَرَطَ. قَالَ: وَيَتَخَرَّجُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ: وَإِنْ خَرَّجَ الْأَكَّارِيُّ الزَّرْعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَتَرَكَ الْعَمَلَ قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَمَلَ يَدَيْهِ مِنْ حَرْثٍ وَنَحْوِهِ، وَمَا عَمِلَ؛ أَيْ: أَنْفَقَ فِي الْأَرْضِ؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَمَتَى انْفَسَخَتْ) الْمُسَاقَاةُ بِفَسْخِ أَحَدِهِمَا أَوْ مَوْتِهِ وَنَحْوِهِ- (وَقَدْ ظَهَرَ ثَمَرٌ)؛ فِيمَا سَاقَاهُ عَلَيْهِ- (وَيَتَّجِهُ وَلَوْ) كَانَ الظَّاهِرُ ثَمَرَةَ (شَجَرَةِ نَوْعٍ) وَاحِدٍ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فـَ) مَا ظَهَرَ (بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا) فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ؛ خُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِنْ اشْتَرَى نَصِيبَ الْعَامِلِ جَازَ، وَإِنْ اخْتَارَ بَيْعَ نَصِيبِهِ بَاعَ الْحَاكِمُ نَصِيبَ الْعَامِلِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ؛ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا يُبَاعُ نَصِيبُ الْعَامِلِ وَحْدَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ، فَإِنَّهُ إنْ بَاعَهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ لَا تَصِحُّ؛ وَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ؛ صَحَّ، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا لِغَيْرِ رَبِّ الْأَرْضِ بَاطِلٌ (وَعَلَى عَامِلٍ) وَوَارِثِهِ (تَمَامُ الْعَمَلِ) فِي الْمُسَاقَاةِ؛ (كَمَا يَلْزَمُ مُضَارِبًا فَسَخَ) بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ (بَيْعُ عُرُوضٍ) لِيَنْفَضَّ الْمَالُ، فَإِنْ ظَهَرَ ثَمَرَةٌ أُخْرَى بَعْدَ الْفَسْخِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ فِيهَا.
قَالَ (الْمُنَقَّحُ. فَيُؤْخَذُ مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ- إنَّ عَلَى عَامِلٍ تَمَامَ الْعَمَلِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَظُهُورِ الثَّمَرَةِ (دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُنَاصَبَةِ. وَلَوْ فُسِخَتْ) الْمُغَارَسَةُ (إلَى أَنْ تَبِيدَ) الْأَشْجَارُ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَيْهَا الْمُنَاصَبَةُ، (وَالْوَاقِعُ كَذَلِكَ. انْتَهَى) كَلَامُ الْمُنَقَّحُ. (فَإِنْ مَاتَ) الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُنَاصَبَةِ (فَوَارِثُهُ) يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمِلْكِ وَالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُوَرِّثِ وَعَلَيْهِ، فَكَانَ لِوَارِثِهِ، (وَلَا يُجْبَرُ) إنْ أَبَى الْوَارِثُ أَنْ يَأْخُذَ وَيَعْمَلَ، (وَاسْتُؤْجِرَ مِنْ تَرِكَتِهِ مَنْ يَعْمَلُ)، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرِكَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ الِاسْتِئْجَارُ فِيهَا؛ بِيعَ مِنْ نَصِيبِ الْعَامِلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ تَكْمِيلُ الْعَمَلِ، وَاسْتُؤْجِرَ مَنْ يَعْمَلُهُ، (أَوْ إنْ بَاعَهُ)- أَيْ: نَصِيبَ الْعَامِلِ- هُوَ أَوْ وَارِثُهُ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ؛ فَيَصِحُّ الْعَمَلُ (عَلَى مُشْتَرٍ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِلْكَهُ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ؛ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَيْهِ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَمَرًا؛ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ أَوْ لِمَالِكِ الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ نَصِيبَ الْمُنَاصِبِ مِنْ الشَّجَرِ؛ صَحَّ مُطْلَقًا، وَصَحَّ شَرْطُ الْعَمَلِ مِنْ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَالْمُكَاتَبِ إذَا بِيعَ عَلَى كِتَابَةٍ، وَلِلْمُشْتَرِي الْمِلْكُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ [مَقَامَ] الْبَائِعِ فِيمَا يَقُومُ مَقَامَهُ الْبَائِعُ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ. إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِمَا لَزِمَ الْبَائِعَ مِنْ الْعَمَلِ؛ (فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخٍ) وَأَخْذِ الثَّمَنِ كَامِلًا، (وَ) بَيْنَ (إمْسَاكٍ مَعَ) أَخْذِ (أَرْشٍ)؛ كَمَنْ اشْتَرَى مُكَاتَبًا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ. (وَيَتَّجِهُ فِي بَحْثِ الْمُنَقَّحِ) آنِفًا- وَهُوَ قَوْلُهُ [فَيُؤْخَذُ] مِنْهُ دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَى الْعَامِلِ فِي الْمُنَاصَبَةِ إلَى أَنْ تَبِيدَ (أَنَّهُ) يَلْزَمُ دَوَامُ الْعَمَلِ (بِوَضْعِ غَرْسٍ) لَا قَبْلَهُ (فِي أَرْضٍ مَعَ حُصُولِ نَمَاءٍ) فِيهِ، وَيَتَّجِهُ (أَنَّ الزَّرْعَ) إذَا فَسَخَ الْعَامِلُ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَ أَنْ بَذَرَهُ فِي الْأَرْضِ وَنَبَتَ (كَذَلِكَ) فِي الْحُكْمِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامِلَ دَوَامُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ إلَى حَصَادِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا شَيْءَ لِعَامِلٍ فَسَخَ) الْمُسَاقَاةَ، (أَوْ هَرَبَ قَبْلَ ظُهُورِ ثَمَرٍ)؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِرِضَاهُ؛ كَعَامِلٍ فَسَخَ الْمُضَارَبَةَ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْحٍ، وَإِنْ هَرَبَ عَامِلٌ بَعْدَ ظُهُورِ ثَمَرٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ؛ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ، فَإِنْ تَضَرَّرَ الْمَالِكُ بِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَوَجَدَ لَهُ مَالًا، وَأَمْكَنَهُ الِاقْتِرَاضُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ؛ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَا إذَا وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُ بِأُجْرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الثَّمَرَةِ فَعَلَ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْفَسْخُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَإِنْ عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ وَإِشْهَادٍ؛ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَائِبٌ عَنْ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى الْإِنْفَاقِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إذْنِ الْحَاكِمِ؛ فَهُوَ مُضْطَرٌّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إذْنُ حَاكِمٍ وَلَا إشْهَادٌ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِالصَّدَقَةِ. هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَالشَّرْحِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنْ لَا شَيْءَ لِعَامِلٍ فَسَخَ الْمُزَارَعَةَ أَوْ هَرَبَ بَعْدَ بَذْرٍ (وَقَبْلَ طُلُوعِ زَرْعٍ)؛ لِإِعْرَاضِهِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِاخْتِيَارِهِ كَعَامِلِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَهُ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (إنْ مَاتَ) هُوَ أَوْ رَبُّ الْمَالِ (أَوْ جُنَّ) (أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ، أَوْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ) الْمُسَاقَاةَ (قَبْلَ ظُهُورِ ثَمَرٍ) وَبَعْدَ شُرُوعٍ فِي عَمَلٍ (أَجْرُ عَمَلِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي الْعِوَضَ الْمُسَمَّى، وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِلُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ وَالْجُنُونَ وَالْحَجْرَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ هُوَ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ بِفَسْخِهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْمُسَمَّى رَجَعَ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ، وَفَارَقَ رَبَّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ إذَا فَسَخَهَا قَبْلَ ظُهُورٍ رِبْحٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ هُنَا مُفْضٍ إلَى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ غَالِبًا، فَلَوْلَا الْفَسْخُ لَمَلَكَ نَصِيبَهُ مِنْهَا، وَقَدْ قَطَعَ ذَلِكَ بِفَسْخِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَسَخَ الْجَاعِلُ الْجِعَالَةَ قَبْلَ إتْمَامِ عَمَلِهَا، بِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَالِ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَحْصُلْ بِعَمَلِهِ رِبْحٌ، وَالثَّمَرُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ عَيْنِ الشَّجَرِ، وَقَدْ عَمِلَ عَلَى الشَّجَرِ عَمَلًا مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَرِ، فَكَانَ لِعَمَلِهِ تَأْثِيرٌ فِي حُصُولِ الثَّمَرِ وَظُهُورِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ. (وَإِنْ بَانَ الشَّجَرُ) الْمُسَاقَى عَلَيْهِ (مُسْتَحَقًّا)- أَيْ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا- لِغَيْرِ الْمَسَاقِي بَعْدَ عَمَلِ عَامِلٍ فِيهِ؛ فَلِرَبِّ الشَّجَرِ أَخْذُهُ وَثَمَرُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْعَامِلِ وَلَهُ- أَيْ الْعَامِلِ- إنْ كَانَ (جَاهِلًا) أَنَّ الشَّجَرَ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ (أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى غَاصِبٍ)؛ لِأَنَّهُ غَرَسَهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ؛ كَمَا لَوْ غَصَبَ نَقْرَةً وَاسْتَأْجَرَ مَنْ ضَرَبَهَا دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا اسْتِحْقَاقَ الشَّجَرِ لِلْغَيْرِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ شَمَّسَ الْعَامِلُ الثَّمَرَةَ، فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ، وَإِنْ نَقَصَتْ فَلِرَبِّهَا أَخْذُهَا وَأَخْذُ أَرْشِ نَقْصِهَا، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الثَّمَرَةُ بَعْدَ (أَنْ اقْتَسَمَا) هَا وَأَكَلَاهَا (فَلِمَالِكٍ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ) مِنْهُمَا. (وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ) أَنَّهُ إنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ فَلَهُ تَضْمِينُهُ الْكُلَّ، وَلَهُ تَضْمِينُهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ سَبَبُ إزَالَةِ يَدِ الْعَامِلِ، فَلَزِمَهُ ضَمَانُ الْجَمِيعِ، وَلَهُ تَضْمِينُ الْعَامِلِ قَدْرَ نَصِيبِهِ؛ لِوُجُودِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْغَاصِبُ الْكُلَّ رَجَعَ عَلَى الْعَامِلِ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ؛ لِوُجُودِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ، فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.

.(فَرْعٌ): [في عدم خروج الثمرة في عقد المساقاة]:

(لَوْ سَاقَاهُ إلَى مُدَّةٍ تَكْمُلُ فِيهَا الثَّمَرَةُ غَالِبًا، فَلَمْ تَحْمِلْ) الثَّمَرَةُ (تِلْكَ السَّنَةَ؛ فَلَا شَيْءَ لِعَامِلٍ)؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ؛ وَكَالْمُضَارِبِ. (وَإِنْ كَانَ) الْغِرَاسُ لِاثْنَيْنِ فَدَفَعَاهُ لِعَامِلٍ، (وَسَاقَيَاهُ) عَلَيْهِ (عَلَى أَنَّ لَهُ)- أَيْ: الْعَامِلِ- (نِصْفَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا)- أَيْ: الْمَالِكَيْنِ- (وَثُلُثَ نَصِيبِ) الْمَالِكِ (الْآخَرِ وَ) الْحَالُ أَنْ الْعَامِلَ (عَالِمٌ قَدْرَ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) مِنْ الْبُسْتَانِ؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ بُسْتَانَيْنِ سَاقَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ بِجُزْءٍ يُخَالِفُ الْآخَرَ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ الْعَامِلُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْبُسْتَانِ إذَا شَرَطَا قَدْرًا وَاحِدًا؛ كَأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ لَهُ ثُلُثُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَالِغًا مَا بَلَغَ، كَمَا لَوْ قَالَا: بِعْنَاكَ دَارَنَا هَذِهِ بِأَلْفٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا مِنْهُمَا، وَهُمَا يَقْتَسِمَانِ الثَّمَنَ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا. (وَلَوْ سَاقَى) وَاحِدٌ عَلَى بُسْتَانٍ لَهُ (اثْنَيْنِ، فَفَاضَلَ بَيْنَهُمَا) فِي النَّصِيبِ بِأَنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا السُّدُسَ وَلِلثَّانِي الثُّلُثَ؛ صَحَّ، (أَوْ سَاقَاهُ)- أَيْ: سَاقَا وَاحِدًا- (عَلَى بُسْتَانِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ) عَلَى أَنَّ (لَهُ فِي) السَّنَةِ (الْأُولَى النِّصْفَ) وَفِي السَّنَةِ (الثَّانِيَةِ الثُّلُثَ وَفِي) السَّنَةِ (الثَّالِثَةِ الرُّبْعَ؛ صَحَّ)؛ لِأَنَّ قَدْرَ الَّذِي لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ؛ كَمَا لَوْ شَرَطَ لَهُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا. (وَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ شَجَرٌ مِنْ أَجْنَاسٍ كَتِينٍ وَزَيْتُونٍ وَكَرْمٍ، فَشَرَطَ) رَبُّ الْبُسْتَانِ (لِعَامِلٍ) مِنْ كُلِّ جِنْسٍ مِنْ الشَّجَرِ قَدْرًا مَعْلُومًا (كَنِصْفِ ثَمَرِ تِينٍ وَثُلُثِ) ثَمَرِ (زَيْتُونٍ وَرُبْعِ) ثَمَرِ (كَرْمٍ؛ صَحَّ)، أَوْ كَانَ فِي الْبُسْتَانِ أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ، فَشَرَطَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ قَدْرًا مَعْلُومًا كَنِصْفِ الْبَرْنِيِّ وَثُلُثِ الصَّيْحَانِيِّ وَرُبْعِ الْإِبْرَاهِيمِيِّ، وَهُمَا يَعْرِفَانِ قَدْرَ كُلِّ نَوْعٍ؛ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ثَلَاثَةِ بَسَاتِينَ سَاقَاهُ عَلَى كُلِّ بُسْتَانٍ بِقَدْرٍ مُخَالِفٍ لِلْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى بُسْتَانٍ وَاحِدٍ نِصْفُهُ هَذَا بِالثُّلُثِ، وَنِصْفُهُ هَذَا بِالرُّبْعِ، وَهُمَا مُتَمَيِّزَانِ؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا كَبُسْتَانَيْنِ.

.(فَصْلٌ): [إطْلَاقِ الْعَقْدِ في الْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْمُزَارَعَةِ]:

(وَعَلَى عَامِلٍ) فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُغَارَسَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ كُلُّ (مَا فِيهِ نُمُوٌّ أَوْ صَلَاحٌ لِثَمَرٍ وَزَرْعٍ مِنْ سَقْيٍ) بِمَاءٍ حَاصِلٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَفْرِ بِئْرٍ وَلَا إدَارَةِ دُولَابٍ، (وَإِصْلَاحِ طَرِيقِهِ) أَيْ: الْمَاءِ- بِتَنْقِيَةِ مَجْرَاهُ مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ، (وَ) إصْلَاحِ (مَحِلِّهِ) بِتَسْوِيَةِ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ مَعَ مَا انْخَفَضَ مِنْهَا لِتَشْرَبَ الْعُرُوقُ، وَتَسْتَوْفِيَ حَظَّهَا مِنْ الْمَاءِ، (وَتَشْمِيسِ) مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَإِصْلَاحِ مَوْضِعِ الشَّمْسِ، (وَحَرْثٍ وَآلَتِهِ وَبَقَرِهِ وَزِبَارٍ)- بِكَسْرِ الزَّايِ- (وَهُوَ تَخْفِيفُ الْكَرْمِ مِنْ الْأَغْصَانِ) الرَّدِيئَةِ وَبَعْضِ الْجَيِّدَةِ بِقَطْعِهَا بِمِنْجَلٍ وَنَحْوِهِ، وَكَأَنَّهُ مُوَلَّدٌ. قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ، (وَتَلْقِيحٍ)- أَيْ: جَعْلِ طَلْعِ الْفُحَّالِ فِي طَلْعِ التَّمْرِ- (وَقَطْعِ حَشِيشٍ مُضِرٍّ) بِشَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَقَطْعِ شَوْكٍ (وَشَجَرٍ) يَبِسَ، (وَآلَةِ قَطْعٍ) كَفَأْسٍ وَمِنْجَلٍ، (وَتَفْرِيقِ زِبْلٍ، وَ) تَفْرِيقِ (سِبَاخٍ)- وَهُوَ مَا يُجْمَعُ مِنْ الْأَزِقَّةِ مِنْ رَمَادٍ وَغَيْرِهِ- (وَنَقْلِ ثَمَرٍ وَ) نَقْلِ (زَرْعٍ لِيُبْدَرَ وَيَصْطَلِحَ وَحَصَادٍ وَدِيَاسٍ وَلَقَاطٍ) لِنَحْوِ قِثَّاءٍ وَبَاذِنْجَانٍ، (وَتَصْفِيَةِ) زَرْعٍ (وَتَجْفِيفِ ثَمَرَةٍ وَحِفْظِهَا) عَلَى الشَّجَرِ، وَحِفْظِ زَرْعٍ فِي الْجَرِينِ (إلَى قِسْمَةٍ وَإِصْلَاحِ حُفَرِ أُصُولِ نَخْلٍ) وَتُسَمَّى الْأَجَاجِينَ (يُجْمَعُ بِهَا الْمَاءُ)، وَيَثْبُتُ عَلَى الْأُصُولِ، فَتُرْوَى وَتَنْمُو؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِيهِ صَلَاحُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَزِيَادَتُهُمَا. فَهُوَ لَازِمٌ لِلْعَامِلِ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى رَبِّ أَصْلٍ فِعْلُ مَا يَحْفَظُهُ)- أَيْ: الْأَصْلَ- (كَسَدِّ حَائِطٍ) وَتَحْصِيلِ سِيَاجٍ- وَهُوَ الشَّوْكُ- يُجْعَلُ عَلَى الْجُدُرِ لَيُحْفَظَ مِنْ الدُّخُولِ، (وَإِجْرَاءِ نَهْرٍ وَحَفْرِ بِئْرٍ وَثَمَنِ دُولَابٍ وَمَا يُدِيرُهُ)- أَيْ: الدُّولَابَ- مِنْ آلَةٍ وَبَهَائِمَ، (وَشِرَاءِ مَاءٍ وَشِرَاءِ مَا يُلَقَّحُ بِهِ) مِنْ طَلْعِ فُحَّالٍ وَيُسَمَّى الْكُثْرُ- بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِهَا- (وَتَحْصِيلِ زِبْلٍ وَسِبَاخٍ)؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ، فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ. (وَعَلَيْهِمَا) أَيْ: الْعَامِلِ وَرَبُّ الْمَالِ- (بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا جِذَاذًا) نَصًّا- أَيْ: قَطْعَ ثَمَرَةٍ- لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَدْرِ تَكَامُلِ الثَّمَرِ وَانْقِضَاءِ الْمُعَامَلَةِ. فَكَانَ عَلَيْهِمَا كَنَقْلِ الثَّمَرِ إلَى الْمَنْزِلِ، هَكَذَا عَلَّلُوهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ نَقْلَ الثَّمَرَةِ إلَى الْجَرِينِ وَالتَّشْمِيسَ وَالْحِفْظَ وَنَحْوَهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَلَى الْعَامِلِ مَعَ أَنَّهُ بَعْدَ الْجِذَاذِ. (وَيَصِحُّ شَرْطُهُ)- أَيْ: الْجِذَاذِ- (عَلَى عَامِلٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُخِلُّ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، فَصَحَّ كَتَأْجِيلِ الثَّمَنِ وَشَرْطِ الرَّهْنِ وَالضَّمِينِ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ بَلَغَتْ حِصَّتُهُ مِنْهُمَا نِصَابًا زَكَّاهَا. و(لَا) يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ (عَلَى أَحَدِهِمَا مَا عَلَى الْآخَرِ) كُلُّهُ (أَوْ بَعْضُهُ، وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ (كَمُضَارَبَةٍ شُرِطَ فِيهَا الْعَمَلُ) كُلُّهُ (عَلَى مَالِكٍ) فَيُفْسِدُهَا. (وَيَتَّجِهُ وَلَا يُعَارِضُ)- أَيْ: قَوْلُهُ هُنَا كَمُضَارَبَةٍ إلَى آخِرِهِ- (مَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ). (وَإِنْ شُرِطَ فِيهِنَّ)- أَيْ الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ (عَمَلُ مَالِكٍ) أَوْ عَمَلُ غُلَامِهِ (مَعَهُ)- أَيْ: الْعَامِلِ- بِأَنْ شُرِطَ أَنْ يُعِينَهُ فِي الْعَمَلِ؛ (صَحَّ) كَشَرْطِهِ عَلَيْهِ عَمَلَ بَهِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ هُنَاكَ شُرِطَ بِمُجَرَّدِ الْمَعُونَةِ، فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْعَقْدِ، وَهُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ، فَانْتَفَتْ الْمُعَارَضَةُ وَفَسَدَ الْعَقْدُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ شَرَطَ عَامِلٌ أَنْ أَجْرَ الْأَجِيرِ) الَّذِي (يَسْتَعِينُ بِهِ) يُؤْخَذُ، (مِنْ الْمَالِ)- أَيْ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرَةِ وَقَدَّرَ الْعَامِلُ الْأُجْرَةَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهَا؛ (لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ؛ (كَمَا لَوْ شَرَطَ لِنَفْسِهِ أَجْرَ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ)- أَيْ الْعَمَلَ (عَلَيْهِ)- فَلَا يَصِحُّ شَرْطُ أَخْذِ عِوَضِهِ، (وَيُتَّبَعُ فِي الْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ)؛ أَيْ: الَّتِي يَطْلُبُهَا السُّلْطَانُ (الْعُرْفُ فَمَا عُرِفَ أَخْذُهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ)- أَيْ الْمَالِكِ- فَيُؤْخَذُ (مِنْهُ، أَوْ) عُرِفَ أَخْذُهُ (مِنْ عَامِلٍ)؛ فَهُوَ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ (مِنْهُ)، وَمَحِلُّ ذَلِكَ (مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ) جَرَى بَيْنَهُمَا، (فَيُتَّبَعُ) وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ؛ لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ». (وَمَا طُلِبَ مِنْ قُرْبَةٍ مِنْ كُلَفٍ سُلْطَانِيَّةٍ فَعَلَى قَدْرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ وُضِعَ عَلَى الزَّرْعِ فَعَلَى رَبِّهِ، أَوْ وُضِعَ عَلَى الْعَقَارِ فَعَلَى رَبِّهِ، مَا لَمْ يُشْرَطْ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ، وَإِنْ وُضِعَ مُطْلَقًا فَالْعَادَةُ. قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ فِي الْمَظَالِمِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ: إذَا طُلِبَ مِنْهُمْ شَيْءٌ؛ يُؤْخَذُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَرُءُوسِهِمْ، مِثْلُ الْكُلَفِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي تُوضَعُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، إمَّا عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، أَوْ عَلَى عَدَدِ دَوَابِّهِمْ، أَوْ عَدَدِ أَشْجَارِهِمْ، أَوْ عَلَى قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي الشَّرْعِ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ الْخَرَاجِ الْوَاجِبِ، بِالشَّرْعِ، أَوْ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْكُلَفُ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي غَيْرِ الْأَجْنَاسِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا وُضِعَ عَلَى الْمُتَبَايِعِينَ لِلطَّعَامِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْفَاكِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ وُضِعَ بِتَأْوِيلِ وُجُوبِ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَاحْتِيَاجِ الْجِهَادِ إلَى تِلْكَ الْأَمْوَالِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ غِيَاثِ الْأُمَمِ وَغَيْرُهُ، مَعَ مَا دَخَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي لَا مَسَاغَ لَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَمِثْلُ مَا يُجْمَعُ لِبَعْضِ الْعَوَارِضِ كَقُدُومِ السُّلْطَانِ وَحُدُوثِ وَلَدٍ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُرْمَى عَلَيْهِمْ سِلَعٌ تُبَاعُ مِنْهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَتُسَمَّى الْحَطَائِطَ، وَمِثْلُ الْقَوَافِلِ فَيُطْلَبُ مِنْهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَوْ دَوَابِّهِمْ أَوْ قَدْرِ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ، فَهَؤُلَاءِ الْمُكْرَهُونَ عَلَى أَدَاءِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهِمْ لُزُومُ الْعَدْلِ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَظْلِمَ بَعْضًا فِيمَا يُطْلَبُ مِنْهُمْ، بَلْ عَلَيْهِمْ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِيمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَمَا عَلَيْهِمْ الْتِزَامُ الْعَدْلِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِحَقٍّ، فَإِنَّ هَذِهِ الْكُلَفَ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهُمْ بِسَبَبِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ حَالُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخِذِ، فَقَدْ يَكُونُ آخِذًا بِحَقٍّ، وَقَدْ يَكُونُ آخِذًا بِبَاطِلٍ، وَأَمَّا الْمُطَالَبُونَ فَهَذِهِ كُلَفٌ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِسَبَبِ نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؛ فَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَظْلِمَ بَعْضًا فِي ذَلِكَ بَلْ الْعَدْلُ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَالظُّلْمُ لَا يُبَاحُ مِنْهُ بِحَالٍ، وَحِينَئِذٍ فَهَؤُلَاءِ الْمُشْتَرِكُونَ لَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَفْعَلَ مَا بِهِ ظُلْمُ غَيْرِهِ، بَلْ إمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ قِسْطَهُ، فَيَكُونُ عَادِلًا، وَإِمَّا أَنْ يُؤَدِّيَ زَائِدًا عَلَى قِسْطِهِ، فَيُعِينُ شُرَكَاءَهُ فِيمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ، فَيَكُونُ مُحْسِنًا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ أَدَاءِ قِسْطِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ امْتِنَاعًا يُؤْخَذُ بِهِ قِسْطُهُ مِنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ؛ فَيَتَضَاعَفُ الظُّلْمُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ يُؤْخَذُ لَا مَحَالَةَ، وَامْتَنَعَ بِجَاهٍ أَوْ رِشْوَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا؛ كَانَ قَدْ ظَلَمَ مِنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِسْطُ الَّذِي يَخُصُّهُ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ الظُّلْمَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ مِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ أَدَاءِ مَا يَخُصُّهُ، فَلَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ وَاجِبًا عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ، كُلٌّ يُؤَدِّي قِسْطَهُ الَّذِي يَنُوبُهُ؛ إذَا قُسِّمَ الْمَطْلُوبُ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَمَنْ أَدَّى غَيْرُهُ قِسْطَهُ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ، وَكَانَ مُحْسِنًا إلَيْهِ فِي الْأَدَاءِ عَنْهُ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَدَّاهُ عَنْهُ؛ كَمَا فِي الْمُقْرِضِ الْمُحْسِنِ، وَمَنْ غَابَ وَلَمْ يُؤَدِّ حَتَّى أَدَّى عَنْهُ الْحَاضِرُونَ؛ لَزِمَهُ قَدْرُ مَا أَدَّوْهُ عَنْهُ، وَمَنْ قَبَضَ ذَلِكَ مِنْ ذَلِكَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ، وَأَدَّاهُ إلَى هَذَا الْمُؤَدِّي؛ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُلْزِمُ لَهُ بِالْأَدَاءِ هُوَ الظَّالِمُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ، لِهَذَا لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِمَا أَدَّاهُ عَنْهُ؛ كَمَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْقَرْضِ، وَلَا شُبْهَةَ عَلَى الْآخِذِ فِي أَخْذِ بَدَلِ مَالِهِ. (وَالْخَرَاجُ) فِي الْأَرْضِ (الْخَرَاجِيَّةِ عَلَى رَبِّ مَالٍ، لَا) عَلَى (عَامِلٍ)، لِأَنَّهُ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ، أَثْمَرَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ لَمْ تُثْمِرْ، وَلِأَنَّهُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ، فَكَانَ عَلَى مَنْ هِيَ مِلْكُهُ، وَلَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ (عَلَى عَامِلٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا؛ (كَمَا لَوْ زَارَعَ) آخَرَ (عَلَى أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ)؛ فَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لَهُ، فَمَلَكَ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا كَالْمَالِكِ، وَحُكْمُ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ كَمَالِكٍ فِي مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً.
(وَ) حُكْمُ (عَامِلٍ) فِي مُسَاقَاةٍ وَمُزَارَعَةٍ (كَمُضَارِبٍ فِيمَا يُقْبَلُ) قَوْلُهُ فِيهِ (أَوْ يُرَدُّ قَوْلُهُ فِيهِ)؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَدْ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ ائْتَمَنَهُ دُونَ رَبِّ الثَّمَرَةِ وَالزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْعَيْنَ لِحَظِّ نَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِ مَا شُرِطَ لِعَامِلٍ مِنْ ثَمَرَةٍ أَوْ زَرْعٍ. (فَإِنْ خَانَ) عَامِلٌ فِي مُسَاقَاةٍ أَوْ مُزَارَعَةٍ (فَمُشْرِفٌ يَمْنَعُهُ) الْخِيَانَةَ، إنْ ثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ؛ فَيُضَمُّ إلَيْهِ مَنْ يَمْنَعُهُ؛ حِفْظًا لِلْمَالِ وَتَحْصِيلًا لِلْغَرَضَيْنِ. (فَإِنْ تَعَذَّرَ) مَنْعُهُ مِنْ الْخِيَانَةِ، بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْرِفَ حِفْظُ الْمَالِ؛ (فَعَامِلٌ) يُسْتَعْمَلُ (مَكَانَهُ) لِيَحْفَظَ الْمَالَ، (وَأُجْرَتُهُمَا)- أَيْ الْمُشْرِفِ وَالْعَامِلِ مَكَانَهُ- (مِنْهُ)- أَيْ الْخَائِنِ- لِقِيَامِهِ عَنْهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ؛ (كَمَا لَوْ عَجَزَ) الْعَامِلُ (عَنْ عَمَلٍ) لِضَعْفِهِ مَعَ أَمَانَتِهِ، فَيُضَمُّ إلَيْهِ قَوِيٌّ أَمِينٌ، وَلَا تُنْزَعُ يَدُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرَرَ فِي بَقَاءِ يَدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَامِلُ بِالْكُلِّيَّةِ أَقَامَ هُوَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ تَوْفِيَةَ الْعَمَلِ، وَهَذَا مِنْ تَوْفِيَتِهِ. (وَإِنْ اُتُّهِمَ)؛ أَيْ: اتَّهَمَهُ رَبُّ الْمَالِ (بِخِيَانَةٍ؛ حَلَفَ) الْعَامِلُ؛ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْمُدَّعِي، (وَلِمَالِكٍ) اتَّهَمَ عَامِلًا (ضَمُّ أَمِينٍ) إلَيْهِ (بِأُجْرَةٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ)- أَيْ الْمَالِكِ- لِعَدَمِ ثُبُوتِ خِيَانَتِهِ.

.(فَرْعٌ): [الْحَصَادُ والْجِذَاذُ لَيْلًا]:

(كُرِهَ حَصَادٌ وَجِذَاذٌ لَيْلًا) خَشْيَةَ الضَّرَرِ. (وَيَتَّجِهُ) كَرَاهَةُ الْحَصَادِ لَيْلًا (بِغَيْرِ حَاجَةٍ)، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ؛ فَلَا كَرَاهَةَ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [ما يُشترط في عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ]:

(وَشُرِطَ فِي) عَقْدِ (مُزَارَعَةٍ عِلْمُ جِنْسِ بَذْرٍ) كَشَجَرَةِ مُسَاقَاةٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ لَا يُخْتَلَفُ مَعَهَا، (وَ) عِلْمُ (قَدْرِهِ)- أَيْ الْبَذْرِ- لِأَنَّهَا عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ، فَلَمْ تَجُزْ عَلَى غَيْرِ مُقَدَّرٍ كَالْإِجَارَةِ، (وَكَوْنِهِ)- أَيْ الْبَذْرِ- (مِنْ رَبِّ أَرْضٍ) نَصًّا، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَشْتَرِكُ الْعَامِلُ وَرَبُّ الْمَالِ فِي نَمَائِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ أَحَدِهِمَا كَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ.
قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَكِنْ يَلْزَمُ هَذَا أَنْ يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْأَرْضِ بَذْرَهُ، ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ؛ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ. انْتَهَى.
قَالَ الْفَتُوحِيُّ: قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بَلْ إذَا اشْتَرَطَا ذَلِكَ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ، أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْبَذْرَ فِي حُكْمِ الْمَالِكِ؛ كَمَا لَوْ أَعْطَى إنْسَانٌ إنْسَانًا بَهِيمَةً لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ نَمَائِهَا، فَمَاتَتْ بِيَدِ الْعَامِلِ فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهَا، وَيَقْتَسِمَانِ مَا تَحَصَّلَ كَمَا شُرِطَ. فَلَوْ شُرِطَ أَنَّهَا إذَا مَاتَتْ يَسْتَوْفِي قِيمَتَهَا مِنْ الْمُتَحَصِّلِ، وَيَقْتَسِمَانِ مَا بَقِيَ؛ لَمْ يَصِحَّ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ. انْتَهَى.
(وَلَوْ) كَانَ (عَامِلًا) عَلَى زَرْعٍ، (وَبَقَرُ الْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ)؛ فَيَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْ صَاحِبِ الْبَقَرِ، وَالْأَرْضُ وَالْبَذْرُ مِنْ الْآخَرِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ هُنَا إلَّا بَعْضُ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِهِ. (وَلَا يَصِحُّ كَوْنُ بَذْرٍ مِنْ عَامِلٍ غَيْرِ رَبِّ أَرْضٍ)، أَمَّا كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْهُ فَيَصِحُّ (أَوْ) كَوْنُ بَذْرٍ (مِنْهُمَا) مَعًا، (وَلَا) كَوْنُ بَذْرٍ (مِنْ أَحَدِهِمَا)- أَيْ أَحَدِ الْمُزَارِعَيْنِ- سَوَاءٌ عَمِلَا عَلَيْهِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا (وَالْأَرْضُ لَهُمَا، أَوْ الْأَرْضُ وَالْعَمَلُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَذْرُ مِنْ آخَرَ، وَ) كَوْنُ أَرْضٍ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلِ مِنْ ثَانٍ وَ(الْبَذْرِ مِنْ ثَالِثٍ، أَوْ) كَوْنُ الْأَرْضِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْعَمَلِ مِنْ ثَانٍ وَالْبَذْرِ مِنْ ثَالِثٍ (وَالْبَقَرِ مِنْ رَابِعٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، أَوْ كَوْنُ (الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرِ مِنْ وَاحِدٍ وَالْمَاءِ مِنْ آخَرَ)؛ فَلَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُزَارَعَةِ كَوْنُ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَ مِنْ صَاحِبِ الْمَاءِ أَرْضٌ وَلَا عَمَلٌ، وَالْمَاءُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُسْتَأْجَرُ، فَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ بِهِ. (فَمَنْ دَفَعَ بَذْرَهُ لِرَبِّ أَرْضٍ لِيَزْرَعَهُ) رَبُّ الْأَرْضِ (فِيهَا، وَمَا خَرَجَ) مِنْ الْأَرْضِ (فَبَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ؛ فَالْعَقْدُ (فَاسِدٌ)؛ لِكَوْنِ الْبَذْرِ لَيْسَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ تَقَلَّبَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَأُجْرَةُ الْعَمَلِ فِي الزَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ نَفْعَهُ وَنَفْعَ أَرْضِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ بِبَدَلِهِ. (أَوْ) دَفَعَ رَبُّ أَرْضٍ (أَرْضَهُ لِرَبِّ بَذْرٍ، وَقَالَ) رَبُّ الْأَرْضِ: (مَا زَرَعْت مِنْ شَيْءٍ فَلِي نِصْفُهُ)، وَلَك الْبَاقِي؛ (لَمْ يَصِحَّ مُزَارَعَةً، بَلْ) يَصِحُّ (إجَارَةً)، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ أَرْضٍ: أَجَرْتُك نِصْفَ أَرْضِي هَذِهِ بِنِصْفِ بَذْرِك وَنِصْفِ مَنْفَعَتِك وَمَنْفَعَةِ بَقَرِكَ وَآلَتِكَ، وَأَخْرَجَ الْمَزَارِعُ الْبَذْرَ كُلَّهُ مِنْهُ: لَمْ يَصِحَّ؛ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ عِنْدِهِ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَ الْمَنْفَعَةَ أُجْرَةً لِأَرْضٍ أُخْرَى أَوْ دَارٍ؛ لَمْ يَجُزْ؛ لِجَهَالَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ حِينَئِذٍ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ. وَإِنْ أَمْكَنَ عِلْمُ الْمَنْفَعَةِ وَضَبْطُهَا بِمَا لَا تَخْتَلِفُ مَعَهُ وَمَعْرِفَةُ الْبَذْرِ وَأُجْرَةِ نِصْفِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْبَذْرِ وَالْمَنْفَعَةِ؛ جَازَ، وَكَانَ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ قَالَ: أَجَرْتُك نِصْفَ أَرْضِي بِنِصْفِ مَنْفَعَتِك وَمَنْفَعَةِ بَقَرِكَ وَآلَتِكَ؛ جَازَ إنْ أَمْكَنَ الضَّبْطُ، وَإِلَّا فَفَاسِدَةٌ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. (وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ بَذْرٍ مِنْ رَبِّ أَرْضٍ، اخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَصَحَّحَهُ وَالْمَجْدُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ الْجَوْزِيُّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا.
قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُزَارَعَةِ قَضِيَّةُ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. (وَإِنْ شَرَطَ) رَبُّ مَالٍ (لِعَامِلٍ نِصْفَ هَذَا النَّوْعِ) أَوْ الْجِنْسِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، (وَرُبْعَ) النَّوْعِ أَوْ الْجِنْسِ (الْآخَرِ، وَجَهِلَ قَدْرَهُمَا)- أَيْ النَّوْعَيْنِ- بِأَنْ جَهِلَاهُمَا أَوْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مَا فِي الْبُسْتَانِ مِنْ النَّوْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الرُّبْعُ، وَأَقَلُّهُ مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْعَكْسِ (أَوْ) شَرَطَ (إنْ سَقَى الْعَامِلُ سَيْحًا أَوْ زَرَعَ شَعِيرًا)؛ فَلِعَامِلٍ (الرُّبْعُ؛ وَ) إنْ سَقَى (بِكُلْفَةٍ أَوْ) زَرَعَ (حِنْطَةً)؛ فَلَهُ (النِّصْفُ)؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَالنَّصِيبِ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ بِعَشَرَةٍ صِحَاحٍ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ مُكَسَّرَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ: مَا زَرَعْت مِنْ شَعِيرٍ فَلِي رُبْعُهُ، وَمَا زَرَعْت مِنْ حِنْطَةٍ فَلِي نِصْفُهَا، وَمَا زَرَعْت مِنْ ذُرَةٍ فَلِي ثُلُثُهَا؛ لِجَهَالَةِ الْمَزْرُوعِ. (أَوْ) قَالَ لَهُ: اعْمَلْ وَ(لَك الْخُمُسَانِ إنْ لَزِمَتْك خَسَارَةٌ، وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَلْزَمْكَ خَسَارَةُ ذَلِكَ (فَالرُّبْعُ)؛ لَمْ يَصِحَّ نَصًّا، وَقَالَ: هَذَا شَرْطَانِ فِي شَرْطٍ، وَكَرِهَهُ، أَوْ (وَشَرَطَ أَنْ يَأْخُذَ رَبُّ الْأَرْضِ مِثْلَ بَذْرِهِ) مِمَّا يَحْصُلُ، (وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ)؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِثْلُ الْبَذْرِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ رَبُّهَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الْمُزَارَعَةِ؛ (كَمُضَارَبَةٍ)؛ أَيْ: كَمَا لَوْ شَرَطَ رَبُّ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَأْخُذَ رَأْسَ الْمَالِ كَامِلًا، وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُصُ رَأْسُ الْمَالِ، فَيُكَلَّفُ الْعَامِلُ إلَى تَكْمِيلِهِ مِنْ عِنْدِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الْمُضَارَبَةِ. (أَوْ) قَالَ رَبُّ بُسْتَانَيْنِ فَأَكْثَرَ: (سَاقَيْتُك هَذَا الْبُسْتَانَ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُسَاقِيك) الْبُسْتَانَ (الْآخَرَ بِالرُّبْعِ؛ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ)؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ؛ فَهُوَ فِي مَعْنَى بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعٍ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ (كَمَا لَوْ شَرَطَا) أَيْ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ- (لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا) مِنْ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ (أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً)؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَخْرُجُ مَا يُسَاوِي تِلْكَ الدَّرَاهِمَ، أَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (زَرْعَ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الْأَرْضِ (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (ثَمَرَ شَجَرِ) نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ (غَيْرَ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ). أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يَزِيدُ مَا يَخْرُجُ عَلَى الْقُفْزَانِ الْمَشْرُوطَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَدْ لَا يَتَحَصَّلُ فِي النَّاحِيَةِ الْمُسَمَّاةِ أَوْ الْأُخْرَى بِشَيْءٍ، (أَوْ) شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا (ثَمَرَةَ سَنَةٍ غَيْرَ السَّنَةِ الْمُسَاقَى عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ يُخَالِفُ مَوْضُوعَ الْمُسَاقَاةِ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا مَا عَلَى السَّوَاقِي أَوْ الْجَدَاوِلِ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ نَصِيبِهِ. (وَحَيْثُ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ؛ (فَالزَّرْعُ) فِي الْمُزَارَعَةِ لِرَبِّ الْبَذْرِ (أَوْ الثَّمَرُ) إذَا فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ (لِرَبِّهِ)- أَيْ الشَّجَرِ- لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ يَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيَنْمُو كَالْبَيْضَةِ تُحْضَنُ فَتَصِيرُ فَرْخًا. (وَعَلَيْهِ)- أَيْ رَبِّ الْبَذْرِ وَالشَّجَرِ- (أُجْرَةُ مِثْلِ عَامِلٍ)؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنَافِعَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ (وَإِنْ كَانَ رَبُّ بَذْرٍ عَامِلًا فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ)، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالزَّرْعُ لَهُمَا، وَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا يَفْضُلُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا نَصِيبُ الْعَامِلِ، وَأَجْرُ الْعَامِلِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ. (وَمَنْ زَارَعَ أَوْ آجَرَ) شَخْصًا (أَرْضًا وَسَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ بِهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ يَجُوزُ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا)، فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ (كَجَمْعٍ بَيْنَ إجَارَةٍ وَبَيْعٍ) فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ فَيَصِحُّ سَوَاءٌ قَلَّ بَيَاضُ الْأَرْضِ أَوْ كَثُرَ نَصًّا. فَلَوْ جَعَلَ رَبُّ الشَّجَرِ لِلْعَامِلِ جُزْءًا مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ؛ جَازَ، أَوْ جَعَلَ الْجُزْءَ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ لِنَفْسِهِ، وَالْبَاقِيَ لِلْعَامِلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا؛ (مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً عَلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا، أَوْ) قَبْلَ (بُدُوِّ صَلَاحِهَا)، فَإِنْ كَانَ حِيلَةً؛ (كَأَنْ يُؤَجِّرَ الْأَرْضَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهَا، وَيُسَاقِيهِ عَلَى الشَّجَرِ بِجُزْءٍ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ؛ فَيَحْرُمُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحَّانِ)- أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ- قَالَ الْمُنَقِّحُ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ عَقْدِ الْحِيلَةِ مُطْلَقًا (سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ)- أَيْ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ- (أَوْ عَقَدَ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ)، فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْ الشَّجَرِ، سَوَاءٌ قِيلَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادِهِ، وَسَوَاءٌ قَطَعَهُ الْمَالِكُ أَوْ غَيْرُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ شَيْءٌ إذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَفُتْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ، وَيَرُدُّ الثَّمَرَةَ وَمَا أَخَذَهُ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) فِيهِ نَظَرٌ، وَعِبَارَتُهُ مَعَ شَرْحِهِ: وَمَعَهَا؛ أَيْ: الْحِيلَةِ، إنْ جَمَعَهُمَا؛ أَيْ: الْعَاقِدُ الْإِجَارَةَ وَالْمُسَاقَاةَ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَتَفْرِيقُ صَفْقَةٍ، فَيَصِحُّ فِي الْإِجَارَةِ، وَيَبْطُلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَلِمُسْتَأْجَرٍ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي إبْطَالِ الْحِيَلِ جَوَازَ جَمْعِ الْإِجَارَةِ وَالْمُسَاقَاةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْتُ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ- أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ فِي بِلَادِ الشَّامِ- قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي، فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. (وَمَا أَخَذَهُ مُسْتَأْجِرٌ) جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْ الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةِ (مِنْ ثَمَرَةٍ) مِنْ الشَّجَرِ الْمُسَاقَى عَلَيْهِ، (أَوْ تَلِفَ) الثَّمَرُ تَحْتَ يَدِهِ؛ (فَمِنْ ضَمَانِهِ)- أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ- لِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَهَذَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ. (فُرُوعٌ: يُبَاحُ) لِكُلِّ إنْسَانٍ (الْتِقَاطُ مَا تَرَكَهُ حَصَادَ) رَغْبَةً عَنْهُ (مِنْ سُنْبُلِ وَحَبٍّ وَغَيْرِهِمَا) بِلَا خِلَافٍ؛ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى نَبْذِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْكِ لَهُ، (وَيَحْرُمُ مَنْعُهُ).
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لِأَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ مُبَاحٍ (عَلَى غَيْرِ مَالِكٍ يُرِيدُهُ)، أَمَّا إذَا أَرَادَهُ الْمَالِكُ؛ فَلَهُ مَنْعُ مُلْتَقِطِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَقَدْ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ بَعْدَ إعْرَاضِهِ عَنْهُ، فَكَانَ لَهُ ذَلِكَ. (وَإِذَا غُصِبَ زَرْعُ إنْسَانٍ [وَحَصَدَهُ]) الْغَاصِبُ؛ (أُبِيحَ لِلْفُقَرَاءِ الْتِقَاطُ السُّنْبُلِ) الْمُتَسَاقِطِ؛ (كَمَا لَوْ حَصَدَهَا الْمَالِكُ، وَكَمَا يُبَاحُ رَعْيُ كَلَأِ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ)، وَاسْتُشْكِلَ؛ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. (وَمَنْ سَقَطَ حَبُّهُ مِنْهُ وَقْتَ حَصَادٍ، فَنَبَتَ بِعَامٍ قَابِلٍ؛ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ نَصًّا). وَلَوْ آجَرَ أَرْضُهُ لِآخَرَ سَنَةً لِيَزْرَعَهَا، فَزَرَعَهَا، فَلَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ثُمَّ نَبَتَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى؛ فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا، فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لِلسَّنَةِ الْأُولَى، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلسَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُطَالَبَتُهُ بِقَلْعِهِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِحَقٍّ وَتَأَخُّرُهُ لَيْسَ بِتَقْصِيرِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ السَّاقِطَ الَّذِي نَبَتَ بِعَامٍ قَابِلٍ؛ (لَا) يَكُونُ مِلْكًا لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَا غَيْرِهِ، (بَلْ) حُكْمُهُ كَحُكْمِ (كَلَأٍ) وَشَوْكٍ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ الدُّخُولُ إلَى أَرْضِهِ لِأَخْذِ ذَلِكَ مِنْهَا. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. لَوْلَا قُوَّةُ النَّصِّ الْمُعَارِضِ لَهُ (مَالِكًا كَانَ) رَبُّ الْأَرْضِ (أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا)؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَبِّ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الْعُرْفِ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ الْتِقَاطُهُ؛ كَمَا لَوْ سَقَطَ النَّوَى فَنَبَتَ شَجَرًا. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَجْعَلَ فِيهَا شَوْكًا أَوْ دَوَابَّ، فَتَنَاثَرَ فِيهَا حَبٌّ أَوْ نَوًى؛ فَهُوَ لِلْمُسْتَعِيرِ، وَلِلْمُعِيرِ إجْبَارُهُ عَلَى قَلْعِهِ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ لِنَصِّ أَحْمَدَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْغَاصِبِ. (وَكَذَا نَصَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدَ (فِيمَنْ بَاعَ قَصِيلًا، فَحَصَدَ وَبَقِيَ يَسِيرٌ، فَصَارَ سُنْبُلًا)؛ فَهُوَ (لِرَبِّ الْأَرْضِ) نَصًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يَنْبَغِي)؛ أَيْ: لَا يَجُوزُ (أَنْ يَدْخُلَ) إنْسَانٌ (مَزْرَعَةَ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِهِ لِغَيْرِ كَلَأٍ، وَلَا شَوْكٍ، وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ) بِدُخُولِ مُرِيدِهِمَا، (وَلَمْ تُحَوَّطْ) الْأَرْضُ، أَمَّا إذَا كَانَتْ مُحَوَّطَةً، أَوْ كَانَ يَتَضَرَّرُ الْمَالِكُ بِالدُّخُولِ إلَى أَرْضِهِ لِعِزَّةِ وُجُودِ الْكَلَأِ وَالشَّوْكِ، وَدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ. (وَحَرُمَ أَنْ يُشْرَطَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (عَلَى الْفَلَّاحِ شَيْءٌ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ)- أَيْ: غَيْرِ مَأْكُولٍ- مِنْ دَجَاجٍ وَحَطَبٍ وَغَيْرِهِمَا (مِمَّا يُسَمَّى خِدْمَةً)، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ ذَلِكَ بِشَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مُكَافَأَتَهُ، أَوْ الِاحْتِسَابَ بِهِ مِنْ أُجْرَةِ الْأَرْضِ، أَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِهِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْضَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْقَرْضِ. (تَنْبِيهٌ): حُكْمُ الْمُزَارَعَةِ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالْحَصَادُ وَالدِّيَاسُ وَتَصْفِيَةُ الْحَبِّ مِنْ التِّبْنِ وَاللَّقَاطُ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ، وَلِقِصَّةِ خَيْبَرَ.
فَائِدَةٌ:
لَا تَصِحُّ إجَارَةُ أَرْضٍ وَشَجَرَةٌ فِيهَا؛ لِأَجْلِ حَمْلِ الشَّجَرَةِ وَهُوَ ثَمَرُهَا وَوَرَقُهَا وَنَحْوُهُ. حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ إجْمَاعًا.